بين يديك أيها القارئ الكريم ملخص الجلسة الثانية من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «دور العبادة في أسلوب الحياة» حيث ألقاها في مسجد الإمام الحسين عليه السلام في مدينة طهران، في شهر رمضان عام 1434هـ.
إن الإنسان ليأنس بأسلوب حياته/ إن عدم الثبات والاضطراب في أسلوب الحياة يترك آثارا سلبية كثيرة في روح الإنسان
إن الإنسان ليأنس بأسلوب حياته، وتارة يصل تعلقه إلى درجة من الشدة بحيث إن سلبت منه أسلوب حياته، قد تلحق به صدمات وعوارض نفسية وعصبية كبيرة. فعلى سبيل المثال يقول البعض في خصوص كبار السن أنهم إذا انتقلوا من منطقتهم وبيتهم فجأة، هذا ما يؤدي عادة إلى بعض المشاكل لهم من قبيل مرض النسيان.
لقد أجري إحصاء قبل كم سنة على المتقاعدين من أحد المشاغل، وإذا بالنتائج تقول أكثر من خمسين بالمئة من هؤلاء المتقاعدين قد وافاهم الأجل في نفس سنة تقاعدهم، وهذا ما يدلّ على مدى تعلق الإنسان بأسلوب حياته.
فإن بات الإنسان يتنقل من مكان إلى مكان ومن بيت إلى بيت، فهذا ما سوف يلحق به بعض العوارض بطبيعة الحال. فإذا لم يحظ الإنسان بثبات في عمله وحياته وعلاقاته وفي كلمة واحدة في بعض أسلوب حياته، فإن هذا الاضطراب وخاصة في أيام الكبر قد يؤدي إلى كثير من التداعيات السلبية.
نحن نأنس بحياتنا بطبيعة الحال، فلابد أن نخطط لما نريد أن نأنس به
إنّ أحد أسباب تسمية الإنسان بالإنسان هو أنه أهل الأنس، فنحن نأنس بالأشياء التي حولنا كما نأنس بعاداتنا السلوكية وقد يصعب علينا تركها. ولهذا فلابدّ أن نخطط مسبقا لما نريد أن نأنس به.
ما أحلى أن يستأنس الإنسان بأمثال هذه الأعمال: بأن يستيقض مبكّرا مثلا، أو أن يتوضأ مباشرة بعد ما استيقض، أو يصلي صلاة الصبح في أول وقتها، أو يذهب إلى المسجد و... فإن هذه الأعمال من أهمّ أدوية روح الإنسان من أجل القضاء على جميع الأمراض.
في يوم القيامة أو بعد الظهور حيث يتطوّر العلم في ذاك الزمان، سوف يتضح أن برنامج الصلوات اليومية التي فرضها الله علينا وأكّد علينا أن نقيمها في المسجد جماعة، كم هي مفيدة وضرورية لروحنا. وسوف يتّضح وقتئذ كم هي نافعة لصحّة روحنا ونفسيتنا بغضّ النظر عن بُعد الارتباط بالله الذي يصحب شعيرة الصلاة.
إن صحة روحنا تستلزم رياضة «مستمرّة» متناسبة مع اقتضاءات روحنا
كما أننا بحاجة إلى تمارين رياضية يومية في سبيل حفظ صحة جسمنا، وكما أنه يجب لهذه التمارين أن تكون مستمرّة ومتناسبة مع جسمنا لتترك أثرها الإيجابي على جسمنا، كذلك من أجل صحة الروح لابدّ أن نمارس رياضة متناسبة مع مقتضياتنا الروحية بشكل مستمر.
لو كنا نقدر على إنتاج فيلم سينمائي أو مسلسل تلفزيوني، بحيث يجسد هذه الحقيقة للمشاهد أن روح الإنسان بحاجة إلى الأنس بعبادة كالصلاة وهي بحاجة إلى التعلق بالمسجد والحضور في صلاة الجماعة باستمرار وعلى الدوام، لكثر عدد المصلين في المجتمع بسرعة.
لماذا لم يقل أئمتنا أن لا تصلّوا فيما إذا لم تتوجهوا في صلواتكم؟! لأن مجرد هذه الصلاة العارية من حضور القلب هي مما يحتاجها روح الإنسان
أحد أسباب أهمية أسلوب الحياة هو أن الإنسان يستأنس بأسلوب حياته ويتعلق به تلقائيا. لماذا لم يقل أئمتنا أن لا تصلوا فيما إذا لم تتوجهوا في صلواتكم؟ أحد الأسباب هو أن مجرد هذه الصلاة العارية من حضور القلب والتوجه هي مما يحتاجها روح الإنسان.
هل أن الله قد فرض الصلاة للارتباط به وحسب، وليس لها أي أثر على روحنا؟ إن سائر آثار الصلاة الاجتماعية والروحية والجسمية من القوّة بمكان بحيث قد نستطيع ألقول بأنها لا تقل عن أثر الصلاة في تكوين الارتباط مع الله. فإن الآثار الروحية والنفسية للصلاة مهمة جدا وجديرة بالالتفات، ولكننا نغض الطرف عادة عن هذه الآثار الإيجابية المترتبة على الصلاة، حيث لم يأت علم النفس لخدمة الدين وكشف أسراره وأبعاده النفسيّة بعدُ. وما إن دخل علماء النفس في هذا الميدان وخاضوا في آثار عبادة الله والارتباط بالله والعقائد الدينية ذهلوا وانبهروا بنتائج دراساتهم.
ليست العادة مذمومة إن حمت الإنسان من السقوط، بل تصبح عندئذ من أوجب الواجبات
أحد الأخطاء الرائجة هي ما يقال: «العادة أمر مذموم، ولا ينبغي للإنسان أن يعتاد». نعم، فإن كانت هذه العادة تحجز الإنسان عن تطوره وارتقائه فهي أمر مذموم، أما إذا منعته من السقوط، فلم تكن مذمومة بل تصبح عندئذ من أوجب الواجبات. فعلى سبيل المثال إن اعتاد أحد على استماع مصائب الحسين(ع) والبكاء عليه، ما جعلته يتوتر ويفقد راحته إن طالت به الأيام ولم يبك فيها على الحسين(ع)، فإن هذه العادة تحميه من السقوط. وكذلك الحال في تعوّد الإنسان على الصلاة، فإن هذا التعوّد من أسباب عدم ترك الصلاة وعدم حرمان الإنسان من الفوائد الروحية والجسمية الكامنة في الصلاة. فحتى لو كانت صلاته بلا حضور وتوجّه، مع ذلك سوف يحظى المصلّي بالحدّ الأدنى من فوائدها.
قال أمير المؤمنين(ع): «عَوِّدُوا أَنْفُسَکُمْ الْخَیْرَ؛ الخرائج و الجرائح/ج2/ص596». فإن اعتاد الإنسان على عمل حسن ما، عند ذلك لا يتركه بسهولة، كما أن هذه العادة السلوكية الحسنة لتترك أثرها الإيجابيّ على روحه بشكل مستمرّ.