عقاب الأطفال بين الضرورة والإفساد
خبراء: عقاب الأطفال أمر ضروري، ولكن يجب أن يتم بالطرق الصحيحة
كثيرًا ما نجد الطفلَ داخل الأسرة بمجرد بلوغه سنَّ الصِّبا، وبعد أن يبدأَ في التمييز بين ما هو صواب وما هو خطأ، يظن نفسه لديه القدرة على التعامل مثل البالِغين، على الرغم من أنه لا يزال يحتاج إلى تعلُّم الكثير، ففي كثير من الأحيان قد يخطئ الطفلُ، وقد يقوم بأفعال لا نتوقع أن يقوم بها؛ ظنًّا منا أنه طفل صغير لا يعي ما يقول أو ما يفعل، وقد يصل الحالُ ببعض الأطفال إلى أن يتحوَّل إلى طفل متمرِّد تتكرَّر منه الأفعالُ التي تستوجب عقابًا.
وهنا قد يجد الآباء أنفسَهم أمام مشكلة ليست بالهينة؛ فهم لا يعرفون ما الواجب عليهم فعلُه في مثل هذه الأمور، وكيف يتصرفون مع طفلهم الذي أخطأ، هل يكون هناك عقاب لهذا الطفل أم يتركونه دون عقاب على ما قام به، وإذا كان هناك عقاب، فما هي الطريقة الصحيحة التي يجب أن يعاقَب بها هذا الطفل، خاصة وأن بعض المربِّين يتبعون مع أطفالهم طرقًا غريبة في العقاب، أسهلها عندهم الضَّرب والإهانة، التي قد تؤدِّي بالطفل إلى التَّعقيد النفسي منذ صِغره، فإن عقاب الأطفال في كلِّ الأحوال لا شكَّ أنه مهارةٌ تستوجب الدراسةَ من قِبَل الآباء، حتى يتعلموا الطريقة الصحيحة للتعامل مع أطفالهم في حال ما إذا أخطؤوا، فهناك طُرُق قد تزيد هذا الطفلَ وتجعلُه يُكثر من الوقوع في الخطأ مرة بعد أخرى، وهناك طرق أخرى تكون بمثابة علاج لهذا الطفل حتى لا يعود مرة أخرى إلى الخطأ الذي كان يفعَلُه، وهي التي يجبُ أن يبحث عنها الآباء.
وحول ذلك يقول الدكتور عبدالفتاح عمر - أستاذ الطب النفسي -: إن الأطفالَ حينما يُخطِئون يجب أن يكون عقابُهم بطريقة صحيحة، تجعلهم لا يعودون إلى هذا الخطأ مرة أخرى، وهذا العقاب يجب أن يكونَ بعيدًا عن العقاب البدني أو النفسي، الذي قد يؤدِّي إلى نتائجَ عكسية تمامًا، وتتمثل أهمُّ طُرق معاقبة الأطفال في حِرْمانهم من بعضِ ما يُحبُّون لبعض الوقت؛ مثل: اللعب، أو الخروج، وما إلى ذلك، مشيرًا إلى أن هذا النوعَ من العقاب يجب ألا يزيدَ عن حدِّه؛ ففي حالة حِرْمان الطفل مِن الشيء لنعاقبه، يجب ألا يزيدَ هذا الحرمان عن ثلاثة أيام مثلاً؛ حتى لا تكون النتائج عكسية.
وأضاف "عمر": إنه في بعض الأحيان قد لا يكونُ هناك فائدة من العقاب المادي، والذي يجعلنا نلجأ إلى عقاب آخر معنوي يجعل الطفل يفكِّرُ هو في العقاب الذي يستحقه، ويتأتى ذلك من خلال الصمت، فحينما يُخطئ الطفل ويجد هذا الخطأ قوبل بالصمت، فهذا يدفَعُه إلى الابتعاد عما يفعلُه، أو يجعله يتنازل عن الأشياء التي يُريدها، ولا يفكر سوى في ابتكار طريقةٍ يكسب بها رضاءَ والديه مرة أخرى؛ حتى يعودوا للحديثِ معه من جديد.
وأوضَح أستاذ الطب النفسي: إنه في حالة إذا ما أراد الوالدان معاقبة طفلهما على سلوك ما خاطئ صدَر منه، فيجب أن يكون هذا العقاب في الوقت المناسب، على أن يكونَ فَوْرَ وقوع الخطأ، أو فَور عِلم الوالدين بوقوع هذا الخطأ، ولا ينتظر الوالدان مرور فترة على فِعل طفلهما، ثم يفكِّران في معاقبته بعد ذلك، مشيرًا إلى أن ذلك يجعل الطفلَ يشعرُ أكثرَ بأن ما فعله كان خطأً، وأنه لا يجبُ العودةُ إليه مرة أخرى.
ومن جانبه يرى الدكتور إسماعيل الشيخ - المختص الاجتماعي: أن هناك أمورًا يجب أن يتبعها الوالدان قبل معاقبة أبنائهما، أو حتى قبل وقوع هؤلاء الأطفال في أي خطأ قد يستوجب العقاب، مشيرًا إلى أن أهمَّ هذه الأمور يتمثَّل في إرشاد الطفل وتوجيهه بشكل دائم ومستمر لكل ما هو صحيح، وتعليمه إياه، سواءٌ كان ذلك بشكلٍ مباشر أو بطريقة غير مباشرة.
وأكد "الشيخ" على أن الحوار الذي يقوم على التفاهم وليس العند، يكون له أثرُه الفعال في توجيه سلوك الطفل، لا سيما إذا كان في مرحلة المراهقة، موضحًا أن هذه المهمة يجب أن يتمَّ إسنادها إلى أحدِ الطرفين، سواء كان الوالد أو الوالدة، وفي الغالب الأعم يتم إسنادُها إلى أكثرهم وجودًا مع الطفل.
وأضاف "المختص الاجتماعي": قد يستنفِدُ الوالدان جميع وسائلهما في تحفيز وتوجيه أبنائهما، وبالرغم من ذلك لا يستجيب الطفل لهذا، وهنا لا بد وأن يلجأ الوالدان إلى العقاب كمرحلة أخيرة من مراحل تقويم سلوك الطفل، والذي يجب ألا يتم استخدامُه بشكلٍ عشوائي، بل يجب أن يكونَ بطريقة منظمة، مشيرًا إلى أن العقابَ يجب أن يكون خاليًا من أي قولٍ أو فعل قد يهين الطفل، أو يزرع في نفسِه كراهية الآخرين؛ بحيث يكتفي الوالدان بحرمان الطفلِ من الشيء الذي يحبه لبعض الوقت، ويفضل أن يكونَ العقاب بتخيير الطفل بين أحد عقابين، على أن يكون كل منهما قريبًا للآخر.
ومن جانبه قال الدكتور سعيد أبو العزم - أستاذ علم النفس التربوي -:
إنه من الأخطاء التي يقع فيها الآباء والأمهات الإكثار من معاقبة أبنائهم على كل ما يفعلونه، سواء كان كبيرًا أو صغيرًا، مشيرًا إلى أن الإفراطَ في معاقبة الأطفال إنما يُعد دليلاً على فشلِ الوالدين في تربية أبنائهم، ودليلاً أيضًا على أنهم يواجِهون مشكلات في حياتهم الزوجية، أو في عملهم، أو كان أحدهم يعاني من هذا الأمر في صِغره، وكان يعاقَب بشكل مستمر، فهم يُخرِجون هذا الكَبْتَ وهذه المشكلات النَّفسية على أبنائهم.
وأكد "أبو العزم" على أن معاقبةَ الأطفال أمر مقبول، ولكن يجب أن يكون محددًا بأطر لا يخرج عنها الوالدان، ومن أهم هذه الأمور التي يجب أن يراعيَها الوالدان عند معاقبتهم لأبنائهم: أن يكون طفلُهم عارفًا للسبب الذي يُعاقَب عليه؛ حتى لا يشعر وكأن العقابَ جاء لمجرد العقاب، ومِن ثَم قد يزيدُ في عناده، فضلاً عن معرفة الأسباب التي دفعت الطفلَ إلى أن يصدر منه مثلُ هذا الفعل؛ حتى يمكن اختيار العقاب المناسب له.
وأشار "أستاذ علم النفس التربوي" إلى أنه مِن الأخطاء التي يقعُ فيها الوالدان عند معاقبة أبنائهم: توعُّدهم بكلماتٍ قد تسبِّب لهم مزيدًا من المشكلات، مثل كلمات التهديد، أو التي قد توهم الطفلَ أن والديه لا يحبَّانه من كثرة تكرار كلمة: لن أحبك، أو ما شابه ذلك، فضلاً عن ضرورة أن يكون الوالدان متفقين مع بعضهما البعض عند توقيعِ عقوبة على طفلهما، مؤكدًا على ضرورة أن يكون العقابُ من جنس الخطأ، وأن يكون مناسبًا لعُمُر الطفل، ومناسبًا كذلك لحجم الخطأ الذي صدَر منه، وأنه في حالة إذا ما اعترف الطفلُ بخطئه، فلا بد من إعفائه من العقاب، أو على الأقل تخفيف العقوبة عليه، خاصة وأن العقابَ الشديد أو الزائد عن حدِّه قد يؤدِّي إلى كَبْت الطفل وتنمية الشُّعور العدواني بداخلِه.
وأوضح "أبو العزم" أنه عادة ما يقع الوالدان في خطأٍ كبير عند معاقبتهم لأطفالهم، وهو تغيير المعاملة معه بعد أن يقوموا بتوقيع العقاب عليهم، مشيرًا إلى أن هذا التصرفَ لن يجديَ نفعًا، بل إنه قد يؤدي إلى مزيد من السلوكيات الخاطئة التي يقع فيها الطفلُ، مؤكدًا على ضرورة أن تكونَ معاملةُ الطفل بعد معاقبته كما كانت من قبلُ، فيتم معاملته وكأن شيئًا لم يكن.