من أَعْمَالِ الْقُلُوبِ الْوَاجِبَةِ الإِخْلاصُ وَهُوَ إِخْلاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ تَعَالَى أَيْ أَنْ لا يَقْصِدَ بِالْعَمَلِ مَحْمَدَةَ النَّاسِ وَالنَّظَرَ إِلَيْهِ بِعَيْنِ الاِحْتِرَامِ وَالتَّعْظِيمِ وَالإِجْلالِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [سُورَةَ الْكَهْف/110] فَفِي الآيَةِ نَهْيٌ عَنِ الرِّيَاءِ لأِنَّهُ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ. وَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدَرَكِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اتَّقُوا الرِّيَاءَ فَإِنَّهُ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ» [صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ عَلَى تَصْحِيحِهِ]. فَأَيُّ عَمَلٍ مِنَ الْحَسَنَاتِ يَعْمَلُهُ الْعَبْدُ إِنْ نَوَى بِهِ مَدْحَ النَّاسِ لَهُ لا ثَوَابَ فِيهِ بَلْ عَلَيْهِ ذَنْبٌ كَبِيرٌ لأَنَّهُ يُشْبِهُ الإِشْرَاكَ بِاللَّهِ أَيْ عِبَادَةَ غَيْرِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ الْكُفْرُ، وَإِنَّمَا سَمَّى الرَّسُولُ الرِّيَاءَ الشِّرْكَ الأَصْغَرَ لأَنَّهُ لا يَخْرُجُ فَاعِلُهُ مِنَ الإِسْلامِ بَلْ يَغْفِرُهُ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَاقِبُ مَنْ يَشَاءُ.
قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ الرِّفَاعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "مَا الفَائِدَةُ مِنْ عِلْمٍ بِلا عَمَلٍ وَمَا الفَائِدَةُ مِنْ عَمَلٍ بِلاَ إِخْلَاصٍ".
وَقَدْ حَذَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَءَالِهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَاقِبةِ الرِّياءِ وَخَطَرِهِ وَشُؤْمِهِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُستَدرَكِ عَنْ سليمان بن يسار قَالَ: "تَفَرَّقَ النَّاسُ عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ لَهُ أَخُو أَهْلِ الشَّامِ: "أَيُّهَا الشَّيْخُ حَدِّثْنَا حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَءَالِهِ وَسَلَّمَ". قَالَ: "سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَءَالِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَوَّلُ النَّاسِ يُقْضَى فِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ [أَي مَاتَ فِي الْمَعرَكَةِ] فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى قُتِلْتُ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنْ قَاتَلْتَ لِيُقَالَ: هُوَ جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ [أَيْ اَخَذْتَ جَزَائَكَ فِي الدُّنْيَا] قَالَ: ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْءَانَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ عَلَيْهِ فَعَرَفَهَا، فَقَالَ: مَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ فِيكَ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْءَانَ، فَيَقُولُ: كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ: هُوَ عَالِمٌ وَقَرَأْتَ الْقُرْءَانَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَأَعْطَاهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَالِ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا فَقَالَ: مَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا عَلِمْتُ مِنْ شَىْءٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهِ إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهِ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ: هُوَ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ» [قَالَ الْحَاكِمُ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجْهُ البخاري].
وَعَنْ أَبِـي هُرَيْرَةَ عَبْدِ الرَّحْـمٰنِ بْنِ صَخْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( إِنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَامِكُمْ، وَلا إِلَى صُوَرِكمْ، وَلَكِنْ ينْظُرُ إِلَى قُلُوبِكمْ وَأَعْمَالِكُمْ )) [رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِـي صَحِيحِهِ]. [أَيْ إِنَّ اللَّهَ لا يُـجَازِيكُمْ لأَجْلِ قُوَّةِ أَجْسَامِكُمْ أَوْ ضَعْفِهَا، أَيْ لا يُكْرِمُكُمْ لِقُوَّةِ أَجْسَامِكُمْ ، وَلا يُـجَازِيكُمْ لأَجْلِ حُسْنِ صُوَرِكُمْ أَوْ قُبْحِهَا، لأَنَّهُ هوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ عَلَـى تِلْكَ الصُّوَرِ، وَإِنَّـمَا يُـجـَازِيكُمْ بِـمَا حَوَتْهُ قُلُوبَكُمْ مِنَ النِّيَّاتِ، وَبِـمَا تَعْمَلُونَهُ. فَإِنْ أَحْسَنْتُمُ الْعَمَلَ فوَافَقَ عَمَلُكُمُ الشَّرِيعَةَ وَأَخْلَصْتُمُ النِّيَّةَ لِلَّهِ وَحْدَهُ كُنْتُمْ مِنَ الْمُفْلِحِيـنَ].
نسأل الله أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم وحده
ويبعد عنا الرياء
اللــــ آمين:.... ــــــهم اميـــــــــن